زكي داغستاني: صدى جبال داغستان في مقام الحجاز

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
زكي داغستاني: صدى جبال داغستان في مقام الحجاز, اليوم الخميس 18 ديسمبر 2025 05:31 صباحاً

يخرج صوته من مسافات بعيدة، كأنه نفس الجبال في داغستان، يتصاعد بين الضباب والثلج، وينحدر على القلوب نديا، يغسلها كنهر من نور. ذاك هو زكي داغستاني، القارئ الذي صار صوته جسرا بين السماء والأرض، والذي أغنى البصيرة حين أخذ الله منه بصره.

لم يكن زكي يبصر الدنيا بعينيه، بل كان يبصرها بصوته. كلما تلا آية، أنبت الحرف في القلب زهرا، وكلما أرسل نغمة من المقام الحجازي، انفتحت في السماء نافذة للنور. بالمقام الحجازي العذب، ذاك المقام الذي يجمع بين الفرح والطمأنينة، بين صوت الأمل ووعد الفجر، وإذا أصغيت إليه، خيل إليك أن مكة نفسها تتفتح في صوته، وأن نسيم المدينة يمرر أصابعه على مقاطع تلاوته.

يحمل في صوته نبض بلاد أصلها جبل وروحها نور داغستان، تلك الأرض التي تقع في أقاصي القوقاز، تعانق السماء من قممها، وتقبل بحر قزوين من سفوحها. هي أرض الألسنة الكثيرة والقلوب المتحدة، يقال إنها "بلاد الجبال"، في كل ذراع منها جبل، وفي كل جبل قصيدة من ثلج وإيمان.

من تلك الجبال، خرج زكي يحمل نفسا نقية كالينبوع، وقلبا يرى بالإيمان ما لا تراه العيون. لم يكن عماه نقمة، بل هبة تجلت في أذنين تسمعان ما وراء الصوت، وفي قلب يفسر الآيات بنبض الوجود.

كانت تلاوته مدرسة في الخشوع، تتصاعد كأدخنة المسك، وتنحدر على القلوب كماء زمزم. لا يرفع صوته صياحا، بل يرفع القلوب إلى مقام آخر؛ مقام تلتقي فيه الحروف والأرواح في مشهد من نور وسكون.

في كل مرة يقرأ، كأن القرآن يسمع نفسه في صوته، وكأن الكلمات ترتل معه من باطن السماء. لا تستمع إلى مجرد قارئ، بل إلى روح تترجم النور بنغم. وكأن داغستان كلها، بجبالها ووديانها ، تتجسد في صوت زكي وتصلي معه.

ما أجمل أن يكون الإيمان بديلا عن البصر، والنور دليلا في طريق القلب. فزكي وإن كان أعمى أبصر ما لم يبصره المبصرون: أبصر معنى النور، وسمع في كل آية نداء سريا يخاطب الروح.

وفي آخر مسيرته، يبقى صوته كذكرى من ثلج ونور، يقال له:
هذا الذي نشأ من جذور داغستان في رحم الجبال، وتنفس نور الحجاز في تلاوته، وغاب بصره ليبصر بقلبه، فصار صوته نورا، وتلاوته حياة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق