بيروت ـ اتحاد درويش
اعتبر الخبير في الشؤون المالية والضرائبية المحامي كريم ضاهر «أن إقرار الحكومة لمشروع قانون الانتظام المالي المرتبط بالفجوة المالية واسترداد الودائع خطوة، جيدة وجريئة وإن أتت متأخرة ست سنوات، اذ لم تنجح أربع حكومات متتالية منذ الانهيار المالي عام 2019 في إقرار أي مشروع أمام انهيار كهذا. إلا أن الحكومة الحالية أخذت المبادرة وهي تعلم أن القانون سيكون موضع اعتراضات وانتقادات واسعة من أكثر من جهة متضررة، لكنها سعت قدر الإمكان إلى إرساء العدالة في توزيع الخسائر، ولحظ من استفادوا منذ ما قبل الانهيار المالي وما بعده».
ورأى ضاهر «أن الإضاءة على النواحي الإيجابية التي تضمنها مشروع القانون الذي خرجت به حكومة الرئيس نواف سلام، لا تعفينا من الحديث عن نقاط الضعف الذي ينطوي عليها المشروع. ومن المؤكد أنه سيخضع لنقاش في مجلس النواب الذي سيتحمل المسؤولية، وربما يدخل عليه تعديلات تتعلق بالثغرات التي يحملها من أجل تحسينه».
وتابع «الودائع التي سيتم استرجاعها وفق قانون الفجوة المالية وسيتمكن المودعون الذين تقل ودائعهم عن 100 ألف دولار من استعادتها كاملة خلال فترة تمتد على أربع سنوات، وما فوق الـ 100 ألف دولار ستعطى أول مائة ألف والباقي سندات تمتد من 10 إلى 20 سنة، والتي أكد رئيس الحكومة أنها مدعومة بـ 50 مليارا من موجودات المصرف المركزي. لا يمكن توزيع الخسائر الهائلة الناجمة عن الانهيار المالي منذ 2019 وتوزيعها على كافة الأطراف قبل معرفة مصدر الأموال لتسديد المتوجبات والقول عن ضمان ذلك، وما اذا كانت الدولة ستحقق إيرادات من الأصول التابعة لها وتسديد كل ما هو متوجب على كل فريق، ولا نعلم أيضا ما اذا كان القطاع المصرفي سيتمكن من تغطية الـ 40% لـ100 ألف دولار، والـ 20% للسندات فيما بعد، أي أن المشروع يقرر لكل فئة من هؤلاء مصيرا مختلفا. لذا لا يمكن الرهان على ما هو افتراضي وقائم على غموض في النص، وعليه كان يجب أن يسبق هذا المشروع التدقيق الجنائي، وهذا يعتبر ثغرة كبيرة».
وأشار إلى «أن ضمان التسديد من إيرادات سوف تأتي وليس من رأس المال شيء، ودفع ما هو متوجب من الأصول شيء آخر، معنى ذلك إعلان الإفلاس، والقول بدفع 50 مليارا من الأصول، فهل من المؤكد تحقيق ايرادات كافية لرد ما هو متوجب بالمليارات، وهل هذه الأصول التي تعتبرها الحكومة أنها تضمن بموجبها التسديد، هل ستتمكن من تحقيق ايرادات، أم أنها ستنقطع عن الدفع ويصبح حامل السند هو من يملك حق الحجز على الأصول وهنا تكمن الخطورة».
وأوضح ضاهر «أن ما قصدته بالخطورة هو أن مشروع القانون قال بوضوح إنه يجري تسديد الـ 100 ألف بالدولار الأميركي، ولم يقل بوضوح بالنسبة إلى السندات، فما يمنع أن تصدر بالعملة الوطنية على سعر الصرف الحالي أي 89.500 وتتهاوى العملة لأن مصرف لبنان هو من يحدد سعر الصرف وتعود الليرة اللبنانية تفقد قيمتها ويصبح الدين على الخزينة وعلى مصرف لبنان صفرا كما هو حاصل اليوم؟ وأنا أتحدث هنا افتراضيا، ولكن هذه من الأمور المبهمة والتي تجعل الدولة تتنصل من مسؤولياتها المستقبلية في حال لم يحصل التدقيق الجنائي الذي أكد رئيس الحكومة على الالتزام به».
وسأل «حكومة الرئيس نواف سلام التي تشكلت قبل 11 شهرا، ما الذي كان يمنعها من متابعة موضوع التدقيق الجنائي الذي لم يصل إلى تدقيق كامل بسبب حجب المعلومات الكافية عنه، مع العلم أنه أشار إلى نقاط أساسية لم يتم الكشف عنها وكان أكبر (جرصة)».
ولفت ضاهر إلى «أنه جرى وضع قانون من دون دراسة كافية أو أرقام واضحة. ولا نعلم ما هي الإجراءات التي سوف تتخذها الحكومة ولا يزال الأمر في عالم الغيب، حيث لا فرضيات رقمية وحسابية واضحة لكي يتم الإطلاع عليها».
وأكد على النقاط الإيجابية الواردة في مشروع القانون لناحية تحميل المسؤولية بشكل تدريجي، ولم يقل إنه على الدولة فقط الإيفاء بالتزاماتها «لأنه بذلك نكون قد أبعدنا شريحة كبيرة من المستفيدين من مصرفيين ومسؤولين كبار في الدولة. ومن ثم الانتقال إلى البقية وهم مصرف لبنان والدولة التي هي ليست فقط المتحكمين بمفاصلها منذ 30 سنة، بل هي الشعب والأجيال الجديدة، وهم المودعون الذين سيتم تحميلهم الضرائب من أجل تسديد ودائعهم، وهذا ما أدى إلى هذه الهجمة على مشروع القانون».
ولفت ضاهر إلى ما هو إيجابي في مشروع القانون ادخال فئات من المستفيدين الذين سيتحملون المسؤولية، «أي من سدد القروض ليس فقط الشخصية بل التجارية التي هي فوق الـ 500 الف دولار بأقل من قيمتها، ومن حولوا أموالهم بعد 17 أكتوبر من مصرفيين وسياسيين، وكذلك من استفاد من منصة صيرفة ومن الدعم والأموال غير المشروعة، هؤلاء جميعهم دخلوا في خطة الحكومة ولم يكونوا من ذي قبل وهذه تستوجب التنويه».
الا أن خطة الحكومة، بحسب ضاهر، «تجاهلت فئة رئيسية من الفاسدين ومن نهب المال العام كان يجب أن يكونوا من ضمن الفئات التي طالها القانون، من خلال وضع برنامج مواز وملازم ليكون التدقيق الجنائي على عقود الصفقات العامة التي جرت منذ العام 1991 إلى اليوم، والدخول إلى الوزارات لمعرفة من هو المستفيد من هدر المال العام والإطلاع على الذمة المالية وفق قانون الإثراء غير المشروع، وأيضا الموظفين العامين من الفئة الرابعة والمديرين العامين ومن تعاقد معهم من المقاولين وغيرهم، وكذلك معرفة ما جرى التصريح عنه أمام الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ومقارنته مع رفع السرية المصرفية، والإطلاع على كل ما يملكونه في الداخل والخارج لمعرفة ما هو مشروع وغير مشروع وما يتم التصريح عنه. وبذلك يتم رفد الخزينة بالأموال وتخصيص المبالغ لإعادة تسديد الودائع».







0 تعليق